في هذه السورة التحذير والتخويف من زلزلة الأرض، وفيها الحث على الأعمال الصالحة، وفيها أن العمل لا يضيع مهما قل، حتى لو كان مثقال ذرة، أو أقل فإنه لابد أن يراه الإنسان ويطلع عليه يوم القيامة، ومع هذه السورة سنتعرف على الزلازل في القرآن الكريم من خلال شرح للدكتور زغلول النجار..حيث تقول السورة الكريمة..
{إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا*وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا*وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا*يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا*بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا*يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ*فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
¤ زلازل الدنيا وزلازل الآخرة:
وردت لفظة الزلزلة في القرآن الكريم مرتَيْن، والإشارة في كلٍّ منهما كانت إلى زلزلة الآخرة، وهى زلزلةٌ تفوق زلازل الدنيا بمراتبَ كثيرةٍ، ولا يمكن تفسيرها في أُطُر العمليات التي تتمُّ بها زلازل الدنيا..
فيقول الله تبارك وتعالى فى مطلع سورة الحج: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2].
ويقول سبحانه وتعالى في مَطْلَع سورة الزلزلة: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا*وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا*وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا*يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا*بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا*يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:1-6]
أمَّا الزلازل في الدنيا فجاءت الإشارة إليها في القرآن الكريم بلفظ الخَسْفِ، أو إتيَان البُنْيَان من القَوَاعِد..
حيث يقول الله تبارك وتعالى فى سورة النحل: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ القَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [النحل: 26]، ويقول فى نفس السورة: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [النحل:45].
ويذكر أنَّ الزلازل كانت من صور عقاب الأمم السابقة فيقول عز من قائل-: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40].
ويجعل من وقوع الزلازل تهديداً دائِماً مُستمِراً للخَارِجِين على أوامرِ الله، المُنكِرين لرسالته، والخارجين على شرعه فيقول تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك:16].
¤ الزلزال في اللغة:
زلزل الله الارض زلزلة وزلزالا، والزلازل هي الشدائد والهول والبلية، ومن اوجه تصويرها الخسف، والخَسْفُ في لُغَةً: هو الغَوْر والتَغْيِيب في الأرض أو تغييب الأرض بهم، والقواعد هي الدَّعائم والعُمَد أي الأساس، وهذا ما يحدث بالضبط أثناءَ حدوث الزِّلازل، ويأتى وصف وقوع زلازل الدُّنيا في القرآن الكريم بِقَلْب القُرَى عَالَيَها سَافَلَهَا كما جاء فى عقاب قوم لوط عليه السلام حيثُ يذكر القرآن الكريم: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ*مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82-83].
¤ الأرض كوكب نشط:
يظنُّ كثيرٌ من النَّاس أنَّ الأرضَ التي نحيا عليها مُستقِرَّةٌ راسخةٌ لا حراكَ بها، ولا نشاطَ لها، وهو إستنتاجٌ خاطئٌ، ومناقضٌ للواقع، ومُخالِفٌ للمُلاحَظَات الحسيَّة المُباشِرة وغيرُ المُباشِرة، والتي تؤكِّد أنَّ كوكبنا الأرض كوكبٌ دائمُ النَّشاط والحركة، له من حركاته المُتعدِّدة ونشاطاته الخارجيَّة والداخليَّة ما يشهد له بالديناميكيَّة الحركيَّة النشطة، وبالتفاعلات الفيزيائيَّة والكيميائيَّة المُتعدِّدة ومن امثلة هذه الحركات هي الزلازل والتي هي هِزَّة أرضيّة طبيعية تنشأ تحت سطح الأرض، سببُها تحرُّر الضَّغط المتراكم عبر الشُقوق الجيولوجيَّة نتيجة لِنَشاط بركانيّ، أو تزحزح في الصخور، وهي التي ذكرها القرآن في اكثر من وصف.
من هنا فإن جميع الإشارات القرآنية إلى حقائق الكون التي كانت غائبة عن علم الناس كافة في العصرالذي تنزل الوحي السماوي فيه -ومنها الإشارات المتعددة إلى زلازل الدنيا والآخرة- جاءت بأسلوب غير مباشر، ولكن بما أنها بيان من الله الخالق، فقد صيغت صياغة محكمة بالغة الدقة في التعبير والشمول، والإحاطة في الدلالة، حتى تظل مهيمنة على المعرفة الإنسانية مهما إتسعت دوائرها، لكي تبقى شاهدة على أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..
تقديم: غادة بهنسي.
المصدر: من مقالات الدكتور زغلول النجار.